مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
إذا كانت نظرية النحو الأصلية والأصيلة والمعيار مع سيبويه، قد بنيت قبل نظرية الكلمة وفي استقلال عنها باعتبارها نظرية موضعية فوقية متعالية مستقلة عن ما هو دلالي، لتحدد تلك الكلمة بناء على مدى استجابتها للبنية الموضعية، أو عدم استجابتها؛ حيث يشغل الاسم المواضع دون باقي أصناف الكلم من الفعل، والحرف ويبنى على عوامله التي تحدد حالاته الإعرابية من خلال الآثار التي تظهر على أواخر الأسماء المعربة . وإذا كان المبرد قد حافظ على التصنيف الشكلي لأنواع الكلم كما هو عند سيبويه؛ فإنه رغم ذلك سيغير من مضمون النظرية الموضعية المعيار؛ ليربط الإعراب بالجملة والإخبار ربطا تركيبيا؛ حيث ما كان مخبرا عنه فهو مرفوع، وما كان غير مخبر عنه، ويزيد في الدلالة فهو فضلة. لكن إذا انتقلنا عند ابن السراج سنجده يواصل ثورته على أصول نظرية سيبويه من الداخل ليؤسس نحوا مقوليا جديدا قوامه ومعتمده نظرية مقولية للكلمة التي ستنبني عليها نظرية نحوية مقولية مثلها بسماتها، وطبيعة عناصرها. ولذلك ستقوم لأول مرة في تاريخ النحو علاقة جدلية سببية بين نظرية الكلم ونظرية النحو، وستنعكس خصائص أنواع الكلم في جميع المستويات التحليلية للنظرية النحوية سواء كانت مقولية أو نحوية أو دلالية . إذ سيعمد ابن السراج إلى توحيد جملة الفاعل والمبتدأ في بنية دلالية واحدة موحدة تنعقد بالإسناد مستعينا بنظرية الترافع الكوفية من أجل الحكم على كل ما هو خاضع للإسناد بالرفع ، وكل ما خرج عن تلك البنية فهو فضلة. ومن ثم فالتغيير الذي دشنه ابن السراج ؛ فقد مس نواة النظرية السيبويهية المعيار بالتخلي عن محاورها المتمثلة في الموضع و"البناء على" والشغل لصالح الإسناد باعتباره بنية مقولية تستوجب لموضوعاتها الضرورية والذاتية الرفع ولموضوعاتها الثانوية والعرضية النصب.