مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
لقد عمد سيبويه إلى تحديد أنواع الكلم تحديدا نحويا خالصا عبر التمييز بينها وفق أطر شكلية محضة (الكتاب،ج.1)؛ إذ يعتبر الاسم هو الأصل في الإعراب لتمكنه؛ والفعل الأصل في العمل لبنائه؛ بينما حدد الحرف بكونه مفتقرا دلاليا يعتمد عليه الفعل كواسطة من أجل الوصول إلى معمولاته التي تكمل وتتمم النقص الدلالي للحرف؛ لكن السهيلي سيعمل على إضافة تحديد جديد لأنواع الكلم يقوم على أسس دلالية وتداولية . لذلك يتحدد الاسم بأصله في التركيب لتمكنه الدلالي القائم على الانفصال، ويتحدد الفعل بأصله في الإسناد القائم على الاتصال؛ بينما الحرف سيتحدد بكونه الأصل في الإنشاء؛ أي أن تحديد أنواع الكلم خضع لتحديدين: تحديد نحوي خالص وتحديد نحوي دلالي. لقد احتفظ السهيلي بالتحديد الأول وأضاف التحديد الثاني وبلوره في إطار التمهيد للدلالة النحوية؛ لكنه سيضيف كذلك تحديدا ثالثا لذلك هو التحديد النحوي الدلالي التأويلي لأنواع الكلم؛ إذ يعتبر الحرف والفعل عاملين فيما يدلان عليه، فهما بذلك مفتاح الدلالة النحوية التأويلية عنده. إن نظرية النحو عند السهيلي يتحكم فيها مبدآن هما: الاتصال والانفصال؛ إذ يشكلان نظامين جامعين مانعين لها؛ حيث يشكل الاتصال منطقها الداخلي باعتبار أن الفعل دليل الاتصال وبالتالي يتحدد نظام الاقتضاء الدلالي له لكل معمولاته الدلالية. بينما يشكل الانفصال منطقها ونظامها الخارجي؛ إذ ترتب بسببه البنية العاملية الخارجية بناء على التمكن الإعرابي، في حين ترتب البنية العاملية الداخلية على التمكن الإسنادي؛ لأن الفعل هو الأصل في الإسناد الذي بموجبه يرتب الفعل بعد الفاعل فيعتمد عليه في تأسيس النواة الدلالية الأولى، لكن بمجرد ما تتحقق تلك البنية يظهر التمكن الإعرابي ليعمل الفعل في ما يدل عليه دلالة تضمن ضرورية؛ إذ يترتب الفعل قبل الفاعل في ذلك. لأن من طبيعة الخبر أن يتصل بالمخبر عنه ومن طبيعة الفعل أن يتصل بفاعله؛ حيث يظل الفعل محكوما بالاتصال لبنائه وعمله وفاء لأصله في ذلك، ويظل الاسم محكوما بالانفصال لتمكنه وتحرره، فالفعل أو الخبر هو الأصل في الاتصال والاسم هو الأصل في الانفصال. فالعلاقة الجامعة بين الخبر والمخبر عنه سواء في الجملة الاسمية أو الفعلية هي علاقة اتصال تلازمية ضرورية كالعلاقة بين الصفة والموصوف، أو بين الذات وصفاتها الضرورية اللازمة المحمولة عليها المسندة إليها ، حيث تشتق و تتوزع المعاني الدلالية النحوية عند السهيلي من الصفة والموصوف باعتبارهما عائدين إلى الخبر؛ إذ يشكل هذا الأخير صفة ويقتضي موصوفا يتصل به ويحل فيه؛ لذلك تترتب المعاني النحوية الدلالية وفق ثلاثة محاور: 1-محور الخبر على وجه الإلزام؛ حيث يتحدد المخبر عنه المرفوع، وهو الأقوى رتبة، والأشرف مكانة، من غيره من المفاعيل والمنصوبات والمجرورات؛ 2-محور الخبر على وجه الاختيار؛ حيث تتحدد الفضلة والمنصوبات؛ 3-محور الخبر على وجه النعت والتخصيص والتعريف والتمييز فتتحدد التوابع والمضافات. لم يكتف السهيلي بتوزيع قيم نحوية دلالية على الاسم والفعل وحدهما؛ بل فتح المجال لحروف المعاني بمنحها قيما تداولية كي يؤسس بذلك للعاملية الإنشائية التي تتصدر الأفعال والجمل ؛ حيث يستثمر المتكلم حروف المعاني عندما ينشئ معنى في نفسه؛ فيسند تلك المعاني النفسية التي تتضمنها تلك الحروف التي لها الصدارة إلى الفعل أو الجمل ، فينتج عن ذلك عاملية جديدة.