مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
تعتبر التربية بمؤسساتها المختلفة الأداة الحقيقية لتحقيق التنمية البشرية والمجتمعية في ظل ما يشهده العصر الحالي من تغيرات متلاحقة وتحديات متسارعة في شتى مجالات الحياة، ومن ثم كان من الضروري تفعيل أدوار مؤسسات التربية وتكاملها جميعا في إعداد أفراد المجتمع إعدادًا يتناسب مع تلك المتغيرات والتحديات، بما يجعلهم مواطنين صالحين قادرين على تحقيق طموحاته، وتحمل مسؤولياته. وبصفة عامة فإنه لا ينبغي تحمل مؤسسة تربوية واحدة مسؤولية التنمية البشرية لأفراد المجتمع، فلكل مؤسسة دورها التربوي في إعداد الناشئة سواء كانت مؤسسات مدرسية؛ كالمدارس والجامعات، أو مؤسسات غير مدرسية؛ كالنوادي ومراكز الشباب، ومؤسسات المجتمع المدني ، والجمعيات الخيرية وغيرها، حيث تساهم كل مؤسسة منها بقدر يتناسب مع طبيعة بنائها، ووظيفتها، وأبعاد مسؤوليتها، وتعتبر الجمعيات الخيرية احدى الركائز الأساسية في كل مجتمع، وأحد أهم مؤسساته ، باعتبارها شريك أساسي في التنمية البشرية والمجتمعية ،ومكملة للعمل الاجتماعي الرسمي من جانب، ومتناغمة ومتكاملة مع المؤسسات التربوية الأخرى في تقديم خدماتها للمستفيدين من جانب آخر (الدامغ، 2010)، وذلك من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والتربوية والصحية والثقافية وغيرها من الخدمات الإنسانية لأفراد المجتمع، دونما يكون لها هدفا ماديا من جراء ذلك (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ،1431)، حيث يتم إنشاء الجمعيات الخيرية من قبل المحسنين للمساهمة الفاعلة في بناء الأفراد والمجتمعات بناء صالحا؛ احتسابا إلى الله لرقي مجتمعهم (المغذوي، 2007) ، ويؤكد ذلك ما تقوم به الجمعيات من أدوار تربوية تساهم في بناء المجتمع، حيث تلعب تلك المؤسسات الاجتماعية دورًا حاسمًا في تطوير القدرات البشرية وتشكيل الاختيار الفردي، وتعمل بشكل جماعي على خلق وتعزيز قدرات معينة في مجال التنمية البشرية خاصة ما يتعلق بالعلاقات المتبادلة ، وتشكيل التفضيلات والسلوكيات الفردية بحيث لا يمكن افتراض أن الأفراد مستقلون بشكل كامل( UNDP,2013) وانطلاقا من كون التنمية البشرية مفهوما مركبا يشمل مجموعة من المضامين والمكونات تتفاعل وتتداخل في عملياتها ونتائجها جملة من السياقات والعوامل المجتمعة، وأهمها عوامل الإنتاج، والقيم الثقافية المرتبطة بالفكر الديني والاقتصادي، والقيم الحافزة للعمل والإنماء والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد كأداةً للتقدم والتنمية المجتمعية الشاملة (أبو ملوح، 2007)، وأنها تُعد الهدف النهائي لعملية التنمية والنمو الاقتصادي، فبقدر ما تؤدي زيادة الدخول للأفراد إلى زيادة نطاق الاختيارات والقدرات التي تتمتع بها الأسر والجماعات الحكومية والأهلية، فإن النمو الاقتصادي سوف يعمل على تعزيز التنمية البشرية ( Rani,2004)، سخر المسؤولون بالمملكة العربية السعودية الكثير من الطاقات والإمكانات المادية والبشرية من خلال برنامج تنمية القدرات البشرية الذي أطلقته، باعتباره ،أحد أهم برامج تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030م، والذي بُدء بتنفيذه في 15 سبتمبر 2021م، بهدف تعزيز تنافسية القدرات البشرية الوطنية محليًا وعالميًا وتلبية احتياجات جميع أفراد المجتمع، من خلال تطوير القدرات البشرية لديهم بداية من مرحلة الطفولة، مروراً بالمدارس والجامعات والجمعيات الخيرية والمهنية، حتى الوصول إلى سوق العمل (المملكة العربية السعودية،2021م)، الأمر الذي أشارت إليه بعض الدراسات التي أكدت على دور المملكة العربية السعودية في تحقيق التنمية المستدامة عن طريق تحقيق دور التنمية البشرية، وهذا ما أكدت عليه دراسة محمد (2021م) والتي أشارت إلى اهتمام المملكة العربية السعودية بتحقيق مؤشرات عالية في مجالات التنمية المستدامة عن طريق ربطها بالتنمية البشرية. وهذا يتطلب ضرورة العناية بتنمية الإنسان داخل المجتمع المحلي بمختلف أبعاده العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية من خلال كافة المؤسسات التربوية، حيث من الصعوبة بمكان الوفاء بحاجات التنمية البشرية، ومتطلبات النمو والنضج والإعداد للحياة من خلال مؤسسة تربوية واحدة، ويدعم ذلك ما أشارت إليه عديد من الدراسات منها دراسة الزامل (2014م) والذي دعت إلى أهمية استمرار تنفيذ برامج الجمعيات الخيرية في التنمية البشرية ،فقد أصبح واضحا أن الحكومات لا تستطيع بمفردها أن تحقق التنمية البشرية والقيام بجميع الأعمال والخدمات والمتطلبات اللازمة لتي يحتاج إليها أفراد المجتمع على مستوى الوطن الواحد، كما أكدت دراسة باعلي (2017م) على أن أهم عامل يساعد على ترسيخ القيم الدينية ،وتنمية الوازع الديني لدى أفراد المجتمع ، وتوليد قيم التكافل الاجتماعي هو الدور الفعال للجمعيات الخيرية التي لها تأثيرات بالغة في تنمية جوانب الشخصية المتكاملة لدى الأفراد، ومن ثم فقد أكدت على ضرورة تفعيل وإثراء الجانب التربوي للجمعيات الخيرية. ومما يؤكد أهمية الدور الحيوي للجمعيات الخيرية في التنمية البشرية لأفراد المجتمع أن برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030م يسعى إلى أن يمتلك المواطن قدرات تمكنه من المنافسة العالمية من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية والمستقبلية وتنمية المعارف، وتحضير الشباب سوق العمل المحلي والعالمي، وتنمية مهارات المواطنين والمواطنات عبر توفير فرص التعلم مدى الحياة ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال (المملكة العربية السعودية ،20 21)، وهذا الهدف العريض والغاية الكبرى، تتطلب تكامل وتجميع الجهود جميعها، وليس من المكن تحقيقه من خلال مؤسسة تربوية واحدة، حتى يمكن تعزيز التنمية البشرية لدى أفراد المجتمع، والتي تتطلب –وفق تقرير التنمية البشرية- توسيع فرص العمل المنتج والمرضي والمجزي، وتنمية مهارات أفراد المجتمع وطاقاتهم، وتصون حقوقهم وتحقق سلامتهم ورفاهيتهم، ويؤكد التقرير أن تحقيق التنمية البشرية يتعدى حدود العمل الرسمي إلى العمل التطوعي والابداعي والرعاية ويدعم مفهوم التنمية البشرية المستدامة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP،2015)، ويمكن أن يتضح ذلك بصورة أوضح من خلال عرض الركائز الثلاث الأساسية لبرنامج تنمية القدرات البشرية والتي تتمثل فيما يلي (المملكة العربية السعودية ،2021): تطوير أساس تعليمي مرن ومتين للجميـع، الإعداد لسوق العمل المستقبلي محليا وعالميا، إتاحة فرص التعلـم مدى الحياة. وبفحص تلك الركائز يتضح المسؤولية شبه التامة لمؤسسات التعليم المدرسية (من الحضانة حتى الجامعة) عن الركيزة الأولى، وتتقاسم المسؤولية عن الركيزة الثانية بين المؤسسات المدرسية وغير المدرسية لكن تبقى المسؤولية الأكبر عنها لمؤسسات التعليم المدرسية، بينما تتركز مسؤولية المؤسسات غير المدرسية ومنها الجمعيات الخيرية على الركيزة الثالثة بدرجة كبيرة والتي حددت الوثيقة الإعلامية لبرنامج المملكة العربية السعودية لتنمية القدرات البشرية (2021) ، أدوارها في عدة أبعاد هي: تشجيع تطوير المهارات بشكل مستمر، إعادة تأهيل العاطلين عن العمل والمعرضين لفقدان وظائفهم، إتاحة فرص التدريب للأفراد خارج سوق العمل، إتاحة فرص الابتكار وريادة الأعمال، ونشر اللغة العربية والاعتزاز بها. وتتميز منطقة القصيم، بوجود عدد متنوع وفعّال من الجمعيات الخيرية بلغ 387 مؤسسة، منها 141 جمعية خيرية، و41 جمعية دعوة، و 16 جمعية تحفيظ، و57 لجنة تنمية، و132 فرعا لها (مجلس الجمعيات الأهلية بمنطقة القصيم، 2023)، ويتميز عدد غير قليل من تلك الجمعيات بنشاطها في مجال التنمية البشرية، لعل من أهمها جمعية تطوير والتي من أهدافها المساهمة في تنمية القدرات المؤسسية والبشرية، المنبثقة من رسالتها التي تنص على تحقيق التميز لجمعيات القصيم بحلول مطورة وشراكات متخصصة، في بيئة مبدعة (الجمعية الخيرية لتنمية وتطوير العمل المؤسسي، 2021)، وجمعية كفاءات والتي تهدف إلى تنمية الشباب في المجالات الشبابية المختلفة، وتطوير الجوانب المهنية للعاملين مع الشباب (جمعية كفاءات الأهلية، 2022)، وجمعية أسرة والتي تنص رسالتها على تنمية جميع أفــــراد الأسرة (بناءً، ووقاية، وعلاجًا)، فـي منظومة متكاملة من الخدمات والبرامج النوعية، باستخـــدام أحدث النظم بشريًا ومهنيًا وإداريًا وماليًا وتقنيًا فــي بيئــــة مبتكرة وجاذبة، من خلال فريق عمل متميز، وبشراكات فاعلة (جمعية التنمية الأسرية ببريدة ،2022)، وجمعية التنمية الأهلية والتي تهدف إلى تحقيق خدمة تنموية لأفراد الأحياء وإشراك أفراده ببرامج الجمعية بحثاً عن تنميته وتطويره والمحافظة على مكتسباته ومنجزاته المادية والاجتماعية (جمعية التنمية الأهلية بعين بن فهيد، 2023)، وجمعية التنمية الأهلية بعنيزة والتي تقوم على تقديم خدمات وبرامج اجتماعية وتنموية شاملة ذات جودة مميزة وبكفاءة وفعالية عالية وأساليب إدارية متميزة ومشاركة مجتمعية واسعة (جمعية التنمية الأهلية بعنيزة، 2023)، وجمعية الإسكان الأهلية والتي تعمل على المساهمة في تحقيق التنمية الشاملة للمستفيدين بالتعاون مع الشركاء المختلفين في المجالات المتعددة وفق منظور مؤسسي (جمعية الإسكان الأهلية، 2022)،وغيرها من الجمعيات، الأمر الذي يجعلها مناط اهتمام الدراسات التربوية ، جرّاء تفعيل دورها التربوي في التنمية البشرية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية 2023م.