مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
تَهدُف هذه الدراسةُ إلى الوقوف على كيفية توظيف التراث في مسرح الطفل في المملكة العربية السعودية، من خلال الكشف عن الأشكال المتعددة لهذا التوظيف. وفي ضوء ذلك، جاءت الدراسة مُعنونة بـ(التراث في مسرح الطفل بالمملكة العربية السعودية)، بحيث اشتملت على أربعةِ مباحثَ، هي: التراث الشعبيُّ، والتراث الدينيُّ، والتراث التاريخيُّ، والتراث الأدبيُّ. في سياق الاهتمام بالأدب والفنون، حَظِيَ المسرح في المملكة العربية السعودية باهتمام وعناية من قِبَل الأدباء، فكانت هناك عدَّةُ محاولات للنهوض بالمسرح، على الرغم من بعض المعارضة والتهميش لاستخدامه في البدايات، ورغم محاولات النهوض، فإن المسرح وتفعيلَ دَوْرِه في المملكة ما زال بحاجة إلى اهتمام يصل به إلى المقام اللائق به، وهذه مسؤوليةٌ جماعية تشترك فيها عدَّةُ جهات، من ضِمْنِها الباحثون؛ لأنّه من الممكِن - من خلال دراساتِهم الموجَّهة - أن تنكشف لديهم جوانبُ القصور في المسرح، وما يحتاجه هذا النوع من الأدب من التطوير والاهتمام، ومحاولة النهوض به ليصل إلى المستوى المطلوب. وعند النظر إلى بدايات المسرح السعوديِّ، يتَّضِح أن نقطة الانطلاق والبداية تمثَّلت في المسرح المدرسيِّ، و" تعود أقدم البدايات المسرحية في المملكة العربية السعودية للمسرح المدرسيِّ، وأقدم ما وصل إلينا عن التمثيل المسرحيِّ في المملكة العربية السعودية حتى الآن يعود إلى عام 1348هـ/1928م، حين أقامت المدرسة الأهلية بعنيزة حفلاً مسرحيًّا في ختام العام الدراسيِّ، وقدَّمت من خلاله الأناشيدَ والمسرحياتِ الهادفةَ والمضحِكة..، ومن أبرز التمثيليات التي قُدِّمت في ذلك الحفل: (بين جاهل ومتعلِّم).."([1]). ومن ثَمَّ أخذ يتطوَّر مسرحُ الطفلِ السعوديُّ، وينمو عَبْرَ مراحلَ متعدِّدةٍ، سواء في المدارس أو الجامعات أو الجمعيات الثقافية؛ حتى عُدَّ وسيلةً من الوسائل التربويَّة الهادفة، ثم أُهمل في المملكة العربية السعودية فترة زمنية؛ بَيْدَ أنه في الآونة الأخيرة عاد الاهتمام، فأصبح هَدَفًا من أهداف وخُطَط رؤية المملكة العربيَّة السعوديَّة (2030)، التي تضمَّنت موافقة المقام السامي على إنشاء هيئة المسرح والفنون الأدائية (فبراير-2020م)، وفي العام ذاتِه، شهر (مايو)، أَطلَقت هيئة المسرح مسابقة التأليف المسرحيِّ للطفل، التي جاءت بعنوان "مسرح الطفل بهجة وعروض وألوان" عبر وسائل التواصل الاجتماعيِّ، كما أُنشئت العديد من ورش العمل التي تَهدُف إلى تأهيل المواهب لكتابة النصوص، وأيضًا تقديم العروض. ومن هذا المُنطلَق تحاول هذه الدراسة الوقوف على مسرح الطفل في المملكة العربية السعودية، والتعرُّف على آليَّة توظيف التراث؛ من أجل بيان دور كُتَّاب المسرح في توظيفه، والكيفية التي ظهر بها في مسرحياتهم الموجَّهة للطفل. وتَكمُن أهمية الدراسة هذه في كونها توضِّح وتبيِّن أهمية المسرح في أدب الأطفال؛ كما يعد من الوسائل الفعَّالة التي تَهدُف إلى إيصال وترسيخ القيم والمبادئ والسلوكيات المرغوبة في شخصية الطفل. وأيضًا تَنبِثق أهمية الدراسة من كونها تُلقي الضوء على قيمة التراث، وتضمينه في مسرح الطفل، سواء كان شعبيًّا أو دينيًّا أو تاريخيًّا أو أدبيًّا؛ فهذا يساعد في توظيف التراث، واستخدامه أداةً لتوسيع مدارك الطفل، وتنمية قُدراته؛ مما يساعدهم في إطلاق العِنَان لخياله الواسع، واستخدامه في المجالات المناسبة لمراحله العُمرية. فمع اختلاف طرق تناقل العلم وتطوُّرها، واستخدام التكنولوجيا في بنائها ونقلها، فإن تراثَ أيِّ أمة أو شعب يحظى بأهمية فائقة؛ وذلك لأنه يشكِّل الحاضنة الأساسية للهُوِيَّة الوطنية، وترسيخ قيم المواطنة والانتماء، ويحافظ على ذاكرة الوطن والموروثات الشعبية والتاريخية، وعلى اختلاف طبيعة هذا التراث - سواءٌ أكان ماديًّا أم معنويًّا - فإننا نحتاج في منظومتنا التعليمية إلى اختيار طُرق إبداعية، وفي الوقت ذاته تتناسب مع متطلَّبات المرحلة العُمرية، وخصوصًا مرحلةَ الطفولة؛ لنقل ما توارثته الأجيال من قيمٍ وعادات وتقاليدَ، جيلاً بعد جيل.