مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
نتوخى في هذه المقالة التعرف على الثورة الجنيالوجية التي أحدثها نيتشه في الفلسفة إبان القرن التاسع عشر، المتمثلة أساسا في نقد مركزية العقل في الإرث الفلسفي والتأكيد على أهمية الجسد، وذلك من خلال تجاوز الميتافيزيقا التي تعمل على تزييف الواقع وتعتيمه، وتكريس ثقافة الزهد والإعراض عن الحياة. من هنا تتحدد أهمية هذه المقالة في الكشف عن الفهم الجديد لمفهوم الذات لدى نيتشه، وتعرف منزلة الجسد في فلسفته، وإبراز المنعطف الذي أحدثه في تناوله للعلاقة بين العقل والجسد. بالإضافة إلى رصد المصادر الفلسفية التي أسهمت في تحقق هذا المنعطف، أي في انتقال الفلسفة من منطق العقل إلى منطق الجسد. لهذا السبب، اعتمدنا في مقاربة هذا الموضوع على البحث التاريخي المقارن، الذي انتهينا من خلال إلى أن الإسهام الفلسفي الحقيقي لنيتشه يتجلى في قلب العلاقة التراتبية بين العقل والجسد، حيث صار العقل نشاطا صادرا عن الجسد، ومجرد وسيلة لخدمته، وهذا ما جعل العقل يفقد مع نيتشه تلك المكانة السامية والقدسية التي كان يتمتع بها في الخطابات الفلسفية الميتافيزيقية. كما أن الجسد لم يعد سلبيا ومُحتقرا، بل صار فاعلا ونشيطا، صار عقلا كبيرا بلغة نيتشه. غير أن تحقق هذا المنعطف الجنيالوجي لم يكن ممكنا من دون اعتماد نيتشه على مجموعة من الدعامات الفلسفية التي كان لها تأثيرا كبيرا عليه، من قبيل فلاسفة ما قبل سقراط، وسبينوزا، وشوبنهاور، وكيركغارد .