مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي

عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق

الإصدار الرابع عشر: 19 فبراير 2024
من مجلة أنساق للفنون والآداب والعلوم الإنسانية

المجهول والمعرفي في العصر الأوروبي الحديث -التصوّرات والانعكاسات-

مروان الماجد
الملخص

يهدف هذا البحث إلى تفكيك مفهوم "المجهول" ورصد طبيعته من خلال دراسة تحوّلاته عبر أهمّ النظريّات الفلسفيّة الأوروبيّة في العصر الحديث. منهجيّا، اعتمدنا مقاربة استنتاجيّة استنباطيّة تفترض كذلك التدرّج من أمّهات النظريّات المعرفيّة الحداثيّة ونزعاتها (العقليّة، التجريبيّة، المثاليّة...) نحو الأعمدة المميّزة للمنصّة الفكريّة الكانطيّة لنستعيد واحدة من أهمّ فرضيّاتنا المركزيّة القائلة بأنّ الحقيقة العلميّة تبدأ من التوتّر بين المعرفة والجهل. ما يُمكنُ استخلاصه من النزعة العقليّة المميّزة للفكر الديكارتي هو القدرة على محاصرة "المجهول" من خلال التأمّلات الميتافيزيقيّة وكذلك بالشكّ المنهجي. "فالمجهول" عنده، وعلى عكس ما ذهب إليه أرسطو، لا يعودُ بالنظر إلى المادّة (بما هي مُقابِلة للصورة) وإنّما إلى جملة من العلاقات التسلسليّة المتشابكة. كذلك نرى خلال هذا البحث مفهوم "المجهول" عند سبينوزا بما هو مرادف للامتناه؛ وعلاقته بفكرة الجوهر البسيط أو الموناد عند ليبنيتز؛ ثمّ نُقدّم استقراء لما يُمكن أن يُمثّله هذا المفهوم في فكر التجريبيين خاصة بايكون، لوك وهيوم... يشترك المجهول وجوهر الأشياء بالنسبة لكانط في العديد من الخصوصيات: أهمّها صفة اللاّزمكانيّة. ويُفسّرُ لنا مفهوم التمثّل في مؤلّف نقد العقل المحض طبيعة الترابط بين "المجهول" والمعلوم في التجربة الحسّيّة ومدى فهمنا للحاصل المعرفي الناتج عنها، إذْ ينتقل إيمانويل كانط في كتابه هذا من فكرة العفويّة كقوّة مجهولة ومحرّكة للتأليف إلى محاولة رصد "المجهول كموضوع" مُستفهما عن ماهية وتعريف الموضوع المناسب للمعرفة. مثّلت النزعة الكانطيّة إذن واحدة من أهمّ محطّات العقل في تاريخ الفلسفة الحديثة، بل وفي تاريخ الفكر البشري بشكل عام، حيثُ تحوّل نقد الجهاز المعرفي إلى رهان فكري كوني، وحيثُ استهدف هذا الجهاز التجربة الحسيّة بالذات بالعمل على تحرير كلّ العلاقات السببيّة الجامعة بين "الشيء-لذاته" و"الذات التي تحسُّ". تُقرُّ الفلسفة بهوس البحث عن الحقيقة بشكل أو بآخر، لكنّها تعترف في نفس الوقت بتخليها الاضطراري عن هذا الهوس لعجزها عن إيجاد وتثبيت هذه الحقيقة في نسخة نهائيّة مكتملة. مجازا: البحث عن المجهول – مثله مثل البحث عن الحقيقة – هو بمثابة البحث عن ظلّ فراشة في غرفة مظلمة. ونحن لا نستهدف البحث عن المجهول في هذه الدراسة، بل نحاول وصف طبيعة هذا المفهوم برصد ظهوره وغيابه عبر جملة من الأنساق الفكريّة المبدعة.

تحميل الملف PDF