مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
الملخص
تعامل الأصوليون مع ألفاظ الشارع، وذهبوا مذاهب بعيدة في تأويل النصوص معتمدين في تأويلاتهم على منطق اللغة، وذلك لكون اللغة العربية وما تتضمنه من وجوه بيانية، مصدر من مصادر التأويل الأساسية، فمنها يستمد التأويل أسسه وقواعده، وهي المعيار الذي يحكم على صحة ما تم تأويله أو عدم صحته، فلا يمكن لأي تأويل مهما بلغ من الرأي السديد أن يتجاوز قواعد اللغة العربية، ووجوه إعجازها وسننها المجازية، والبلاغية، وإذا تجاهل المؤول قواعد لغة البيان ابتعد عن التأويل الصحيح، وسلك تأويل فيه ما فيه من متاهات فلسفية، وتجريدات عقلية لا تدخل في التأويل بشروطه، وضوابطه المشروعة المستنبطة من روح الشريعة. فالتأويل إذن إبانة إرادة الشارع من اللفظ بصرفه عن ظاهر معناه المتبادر منه إلى معنى آخر يحتمله بدليل أقوى يرجح هذا المعنى المحتمل. وهذا التأويل بهذه الصورة يعتبر منهجا من مناهج الاجتهاد بالرأي، يتسع مجاله ليشمل النصوص الواضحة لأنه يتعلق بمعانيها. وعليه فالمؤول في تأويله الصحيح لمعاني النصوص الشرعية عليه أن لا يقف عند الأبعاد اللغوية فحسب، وإنما عليه أن يدرك الأبعاد الحضارية كذلك للنص الشرعي حتى يستنبط ما يؤسس به لفقه حضاري، يبدأ من الاستيعاب الحضاري للقضايا، والقيم، والأفكار، من كل الجوانب من حيث أصلها، وملابساتها، وتفرعاتها، ثم الإدراك الحضاري لمنزلة قضايا الحضارات بين المقاصد، والوسائل، والعام، والخاص، إلى أن يصل هذا الفقه إلى توجيه السلوك الحضاري، ليخرج إلى حيز الإفادة العملية فرديا وجماعيا وممارسة في الحياة، وليصل إلى وضع المناهج الحركية الحضارية لسلوك الأمم، مواكبا الفطرة النقية والرسالات الإلهية والاعتبار بالحوادث والأخبار بما يحرك عناصر الفاعلية الإنسانية والأممية حضاريا، فتحقق الأمم ذاتها، وبناءها، ونماءها، وبقاءها، وتحقق البشرية تعارفها وتعي تدافعها.