مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي

عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق

الإصدار الثامن: 19 يوليو 2022
من مجلة أنساق للفنون والآداب والعلوم الإنسانية

الإشكال التأويلي في التراث العربي الإسلامي مساهمة في التعريف بالمنهجية الأصولية

محمد بنعمر
الملخص

تقديم

لابد من الذكر أن يجمع العلوم في التراث العربي الإسلامي ، هو تغليبها  المنزع اللغوي و البياني في  الاشتغال والاهتمام بالنص. تتأكد هذه الوجهة  للناظر والمتابع  لبنية العلوم الإسلامية في المهام والوظيفة والنسق،إذ أنجز علماء الإسلام على امتداد التاريخ أبحاثا علمية كبيرة، قامت وساهمت في  ظهور ثروة علمية مباركة، واسعة وشاسعة من المعارف والعلوم ذات المنزع اللغوي والبياني، ترجمت  هذه الجهود في إنتاج جملة من العلوم  المتخصصة ،في  المنهجية الخادمة والمسددة لتفسير النص القرآني ولفهمه وتلقيه بشكل خاص. هذه العناية بما هو بياني ولغوي ،وتغليب  الجهة البيانية واللغوية  في العلوم البيانية الإسلامية ، يدل أن المحور الغالب ،والمدار المهيمن في العلوم التراثية ،كان  للبيان والتفسير والاستمداد ،وهو ما يفسر لنا هذا  النعت الواصف  للحضارة الإسلامية بأنها "حضارة النص" .[1] واغلب  المؤشرات والعلامات ، فهي دالة و  كاشفة أن الوجهة البيانية واللغوية في العلوم الإسلامية هي الوجهة الغالبة ،وهو ما يدل  بان المرجعية  الحاكمة في العلوم الإسلامية  كانت دائما للبحوث اللغوية والدلالية والمعجمية ، والمحور الرئيس  الذي ينتظم هذه البحوث هو علاقة اللفظ والمعنى في أدوارهم المختلفة ، وعلى هذه الجهة تتفرع باقي الفروع ذات الصلة بالجانب اللغوي والبياني. بموجب هذا الخيار التي سارت عليه العلوم    الإسلامية، فقد نشأت  قناعة راسخة  بين علماء الإسلام، وهو أن  الحرص والعناية ينبغي أن تتجه   إلى مجال  المنهج بشكل أساسي،  لأن المنهج هو مجموعة من المسالك ،والطرق التي عادة ما يتبعها الباحث ،يسلكها  والدارس للبرهنة  على الإشكالية التي اعتمدها أو انطلق منها في المجال الذي عليه يشتغل ،لكن  في المجال البياني ،وفي المجال الذي يتعلق بالعلوم الإسلامية،يعني   المنهج التقيد بمجموعة من المسالك والأخذ بالطرق السديدة  قصد  الوصول إلى المعنى السديد المراد في كتاب الله. ما جعل  الثقافة العربية الإسلامية في بداية نشأتها  ،  تدرك أن الحاجة ماسة ،وضرورية إلى تأسيس منهج يضبط عملية الفهم ، ويسدد عملية البيان ،ويقوم الاستمداد ،  وينظم  عملية التأويل حتى تنضبط  هذه العملية مع منطق وأصول   اللغة العربية في التخاطب  ، بتحقيق دلالة الألفاظ معجميا واستعماليا   ،  في تحولها وانتقالها من الدلالة الأصلية إلى الدلالة الطارئة  التبعية بقسميها العرفية والشرعية ،تبعا للسياقات والمقتضيات التي ترد فيها هذه الدلالة. تبعا لجميع هذه المعطيات المشار إليها ،فان الورقة التي سنعمل على المشاركة بها في هذا الملتقى الدولي هو :ـ الإشكال البياني في  التراث اللغوي العربي . وبحكم هذه الوجهة التي اختارتها  كثير من العلوم في التراث  العربي الإسلامي والتزمتها أنساقها وفروعها ، فإن  المتابع والناظر ،وهو  يتصفح نسقيه  وبناء العلوم  الإسلامية في بنائها وتركيبها ومرجعياتها، وكذا في تصنيف علماء الإسلام  لهذه العلوم ، يدرك ويلامس  أن  العادة الراسخة والحاضرة  بين المتقدمين من علماء الإسلام ،أنهم أعطوا الأولوية، ومنحوا الأفضلية ،وقدموا الصدارة  للعلوم  المنقولة على حساب العلوم  المعقولة، والعلوم الشريفة على حساب العلوم الوضيعة ،وعلوم الأديان  على حساب علوم الأبدان ،و العلوم النقلية على حساب العلوم العقلية ، بل من التصنيفات من رفعت من شأن علوم الآلة ،وهي العلوم المنعوتة  بعلوم البيان او العلوم المقصودة  لغيرها من العلوم كما سماها ابن خلدون  في تصنيفه للعلوم في كتابه المقدمة ،وهو الخيارالذي اخذ به أيضا ابن حزم الأندلسي في  تصنيفه للعلوم  في كتابه مراتب العلوم ،وقد  اعتبر قيمة العلم في الإسلام ، وقيده   بالعلم الذي يودي إلى الخلاص في الدنيا والآخرة. وبصفة عامة ،و رغم اختلاف العلوم الإسلامية ،في البناء والمرجع،والموضوع  والنسق ،فان المشترك والجامع  بينها هو اشتغالها على استمداد المعنى من النص.


[1]    محمد وقيدي  :الفارابي ونسق العلوم في الثقافة الإسلامية   ، مجلة دعوة الحق المغربية العدد:364.السنة:2002ص: 36

شراء - 10 دولار